د. علي ضاهر
لامَني لائِمٌ على انتقاد مواقف الغرب، قائلا: اذا كانت الحياة في الغرب لا تعجبك فإرحل! عادة ما أرد على ذلك بان الإنسان بطبعه، ومنذ البدء، يحب التنقل، دائم البحث عن حياة مريحة بديلة لتلك التي فقدها بعد ان تمّ طرده من جنة عدن. لذا فهو في تنقله دائم البحث عن الأفضل فالأفضل ثم الأفضل. وهذه صفة من صفات البشر منذ تنقلات خليل الله وهجرته، وستبقى حتى قيام الساعة وتدفع للبحث عن مدينة فاضلة مزعومة، حيث الخدمات فيها سهلة، كاملة، هنيّة، وراحة البال والرضى النفسي والطمأنينة مؤمّنة، والأمن والسلام الداخلي متوفر.
لا شك ان الغرب أكثر راحة من البلد الذي هاجرت منه. لكن هذا لا يجب ان يدفع للسكوت عن انتقاده. فالنقد، كالتنقل، سمة إنسانية. وجَلَّ من لا ينتقد! فالإنسان محبّ بطبعه للكلام، عاشق للَّتّ، مغرم بالعَجْن، باغِض وكاره للصمت ولن يكف عن النقد ما دام لسانه قادرا على الحركة وما دام يعتبر ان للكلمة اهمية عظيمة. أَلَمْ يقل يوحنا في انجيله "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ"! وأَلَمْ يكن أفضل جهاد كلمة عَدْلٍ عند سُلْطَانٍ جَائِر! وما النقد إلا كلمة عدل عند رؤية أمر شاذ او مجابهة وضع جائر! والسكوت، لا سيما عن منكر او عن مكروه، يحوّل الإنسان الى شيطان أخرس! فهل يجوز، مثلا، السكوت وعدم إنتقاد كندا لإرسالها أسلحة الى بلاد تستعملها للقمع والقتل؟ وهل من المعقول السكوت عن سماح كندا لمتطوعين كنديين تطوعوا لزرع ألغام أرضية في أوكرانيا تقتل مدنيين بما في ذلك العديد من الأطفال، مما ينتهك إتفاقية مقرة في اوتاوة، العاصمة الكندية؟ وهل تسمح الحرية واليمقراطية وإحترام كرامة الانسان والإعتزاز بقيم البشرية - وهي أجزاء أساسية من القانون والدستور الكنديين - السكوت عن حصار شعب وحرمانه من ابسط الامور الحياتية وتقديم الدعم المطلق لمن يقوم بذلك؟ وهل يمكن عدم انتقاد كندا على موقفها الرافض لوقف المجازر ضد الفلسطنيين او الداعم لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" في وقت تقوم فيه بالقضاء على البشر والحجر؟ وهل يمكن عدم إنتقاد اجراءات عقابية تتخذ في كندا بحق متضامن مع الفلسطينيين؟ لذا فعدم الانتقاد يوازي السكوت المعتبر كعلامة رضا عن جرائم تمسّ الإنسانية. فلا خوف إذا ولا همَّ في النقد لَوْمَةَ لآئِمٍ!