غسان عجروش
عندما استقرت 28 عائلة فلسطينية في حي الشيخ جراح عام 1956، كانت تأمل أن يكون هذا هو اللجوء الأخير، بعد أن تم تهجيرها من منازلها إثر نكبة عام 1948. ولكن العائلات التي ازداد عددها إلى 38 منذ ذلك الحين، تقول أنها تعيش نكبة متجدّدة يوميا، إلى أن إندلعت المواجهات بشكل قوي بينهم وبين المستوطنين المدعومين من جيش مدجج بأعتى أنواع الاسلحة المتطورة مقابل فلسطينيين عزل الا من الايمان والحق .. والحجارة . الأمم المتحدة حثت إسرائيل على ضبط النفس وعلى وقف عمليات الهدم والإخلاء بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي. انما كالعادة فان سلطات الاحتلال لا تقيم وزنا للقرارات الدولية ولا للمناشدات الأممية ولا لأي تدخل إنساني أو حتى قضائي. وبالتالي فإن ما يحصل في حي الشيخ جراح ( وهو إسم طبيب صلاح الدين الأيوبي حسام الدين الجراحي ) هو عملية طرد لاصحاب الأرض الحقيقيين هدفها تهويد القدس وجوارها وملؤها بالمستوطنات . المملكة الاردنية ارسلت وثاىق تؤكد حق العائلات الفلسطينية بالأرض وكذلك فعلت الحكومة التركية التي أمتلكت مستندات إبان الحكم العثماني بأحقية الأرض للفلسطينيين، إنما المحكمة الاسرائيلية لم تأخذ بكلا الوثيقتين وأصدرت محكمة الاحتلال قرارا بطرد الفلسطينيين من الحي لصالح المستوطنين . المواجهات أدت الى اصابة أكثر من 200 جريح حتى كتابة هذه الاسطر ، العشرات منها إصابات حرجة ، واعتقالات بالجملة . الأمور في تأزم أكبر حيث يقوم المستوطنين بإقامة شعائرهم الدينية في باحات المسجد الاقصى تزامنا مع وقت الإفطار تحديدا ، في خطوة استفزازية للمسلمين بشكل عام ،على مرآى ومسمع دول التطبيع والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ناهيك عن المجتمع الدولي الذي يكتفي بالمطالبة بضبط النفس وعدم الاستعمال المفرط للقوة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس جلّ ما فعله المطالبة بإحالة ملف البيوت المستهدفة بالاستيلاء عليها في حيّ الشيخ جرّاح إلى محكمة الجنايات الدولية. وقد علّمتنا التجارب أن المجتمع الدولي لا ينصف الفلسطينيين أبدا. والسبب معروف، ألا وهو سيطرة اللوبي الإسرائيلي بمساعدة أميركية علنية على هذه المؤسسات .
والحديث عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استطرادا يدفعني الى الإشارة الى ما قام به من واجب التعزية للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في حادثة التدافع التي تسببت بوفاة 45 إسرائيليا وأكثر من 100 جريح حيث جاء في مضمون البرقية : نتقدم لفخامتكم بالتعازي والمواساة، بضحايا حادث التدافع أثناء الاحتفال الديني، والذي أدى لسقوط عشرات الضحايا والمصابين من أبناء شعبكم، داعين الله بالرحمة والمغفرة للضحايا، وبالشفاء للمصابين، ولكم ولذوي الضحايا بالصبر وحسن العزاء". العزاء والمواساة أمر جميل وواجب في الحالات العادية انما والحق يّقال حاولت أن أستقصي عن عدد الحالات التي قدمت بها سلطات الاحتلال على مر التاريخ بالضحايا والشهداء الفلسطينيين الذين يسقطون كل يوم فلم أجد برقية واحدة ولا مواساة ولا أسف. اللهم الا تلك التعزية اليتيمة للرئيس محمود عباس عندما توفى شقيقه عام 2016 من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو .
لن أتحدث عن الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلال المواجهات بينهم وبين المستوطنين وقوات الشرطة ، بل أن فلسطينين قضوا غرقا في القوارب حين حاولوا التنقل في شتى الدول مثل سقوط عشرات اللاجئين الفلسطينيين وفقدان العشرات جراء غرق مركب قبالة السواحل الليبية وحوادث مماثلة طالت فلسطينيين قبالة السواجل الإيطالية والمصرية والسورية واليونانية، وهي بعيدة كل البعد عن أرض فلسطين ولم يقم المسؤولين الإسرائيليين بأي واجب تعزية. بل أن جائحة كورونا أودت بحياة أكثر من 3 آلاف فلسطيني، مُنع عدد كبير منهم من الدواء والطبابة واللقاح ولم نسمع عن أي برقية تعزية وجهت للاخ محمود عباس تعبيرا عن الأسف والحزن والمواساة كما ورد في برقيته الشهيرة . ونسأل أبا مازن اليست العلاقات الاجتماعية تخضع للتبادل والمواساة المشتركة ؟
ختاما ، ان المقدسيين اليوم يدافعون عن الأقصى نيابة عن الأمة، وهم يسقطون كل يوم وكل لحظة ،عزاؤهم عند الله سبحانه وتعالى. انما السؤال الى الدول العربية والاسلامية التي طبّعت ووقّعت وفتحت سفارات لها في فلسطين المحتلة ما هو موقفها وباحات وجوار أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين مكانا للمستوطنين بدلا عن أصحاب الأرض الشرعيين؟ وهل نفع هذا التطبيع بإعادة الحقوق ونشر السلام أم العكس !!! ؟