تعلم الصينية في ستة أيام!

  • article

طلال طه- مونتريال 

وقيل سابقا: اطلب العلم ولو في الصين، وقيل في ثقافتنا الشعبية المتوارثة: شو عم تحكي معي صيني!

على خلفية النقاش الدائر في وطننا الأم وفي المنطقة والعالم حول أدوار صينية محتملة، تخرج فيها الصين من جغرافيتها وحذرها التاريخي الى العالم الخارجي من خلال المال والاقتصاد والمشاريع الخدمية والانتاجية وغيرها، لتحجز لها موقعا قديما متجددا مع الكبار.. وربما في المقدمة!

من يجرؤ على تبسيط النقاش الدائر في الغرف والمطابخ السرية، والذي ظهر الى العلن وفوق المنابر وفي الشعارات التي تتحدث عن التوجه شرقا!

هل يمكن التوصل بين القوى السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية ومشغليهم في الخارج الى مسودة اتفاق للبحث في امكانية التوجه شرقا، ونحو الصين تحديدا؟

هذا السؤال يحتاج الى كثير من الجرأة وحسن التقدير والمبادرة، ويحتاج أولا الى كثير من الشجاعة للقفز فوق المحاذير التي أطاحت برئيس وزراء العراق السابق عادل عبد المهدي بعد أن توجه شرقا – عمليا وبالفعل والتوقيع على معاهدات واتفاقات مشاريع بقيمة 400 مليار دولار تخرج العراق من أوضاعه الحالية المزرية لتضعه في مصاف الدول المتقدمة، فقد كانت المشاريع – المفترضة – تغطي الكهرباء والبنى التحتية والسدود والجسور والقطارات والمطارات والمرافئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والادارات الرسمية والسكن وغيرها من المشاريع التي تبادر بها الصين على شكل B.O.T أو الدفع الآجل من النفط العراقي.. هذه الاتفاقيات التي امتلك عادل عبد المهدي الجرأة لتوقيعها مما استنفر قوى الشر في الداخل والمنطقة والعالم لتطيح بالرجل بمظاهرات فولكلورية وسذاجة وغباء من القوى السياسية العراقية التي لم تحامي عن الرجل، وتركته عرضة للضغوط الداخلية والاقليمية والأمريكية!..

لبنان ليس العراق طبعا، ففي موازين القوى التي يمكن مقارنتها بسهولة بين البلدين يمكن التوصل الى نتائج سلبية في مقاربة الملف اللبناني الصيني!

والمقاربات التي تصلح لدراسة وتقييم نقاط القوة والضعف في البلدين للاسترشاد بالتجربة العراقية ينقصها الكثير من الدقة والمعرفة بمحركات الدفع في العمليتين السياسيتين في العراق ولبنان، على اعتبار انهما ساحتين مميزتين من حيث التركيبة الطائفية والمذهبية وتبني الدولتين لنظام المحاصصة الطائفية والمذهبية السيء الذكر! ويحسن في محاولة المقارنة أن يضاف الى حساب العراق وجود المرجعية والنفط كرافعتين أساسيتين في دعم العملية السياسية والاقتصادية – افتراضا!

اين نحن؟ قبل التوجه لدعوة المستثمرين للاستثمار في افتتاح معاهد لتعليم اللغات الصينية والاتيكيت والثقافة الشعبية الصينية، لندخل الى الصين من الأبواب العريضة وليس من النوافذ والزواريب الضيقة!..

في السياسة والاقتصاد كما في شؤون حياتية أخرى، وخصوصا في حالات الضعف والانهيار والتآكل، كالوضع الذي يعيشه ويتعرض له لبنان والعراق وغيرها من دول المنطقة والعالم، في حالات كهذه يستحسن الوقوف الى جانب الاقوياء، خصوصا الشرفاء والمخلصين والصادقين منهم الذين ليس لهم سوابق استعمارية وعنفية لشعوبنا ومنطقتنا (ملف مسلمي الإيغور يحتاج لدراسة أقل تسييسا وأكثر واقعية واعتدالا)!..

ففي الملف المالي، رصد موقع روسي متخصص بالشؤون الاقتصادية خطوات صينية حثيثة تمهد للتوقف عن التعامل بالدولار الامريكي، وذلك عبر تخزين كميات كبيرة من الذهب لأغراض استراتيجية، من خلال شركات تعدين الذهب الصينية التي تقوم بشراء مناجم وشركات تعدين في مناطق مختلفة من العالم، لتصبح بذلك أكبر منتج للمعدن الاصفر في العالم، ويتابع الموقع بأن الصين دأبت على ارسال اشارات للعالم مفادها ان هيمنة الدولار يجب ان تنتهي، من موقع الاحساس بأن الاعتماد الدائم على الدولار مع نظام العقوبات يعرض الاقتصاد الصيني العملاق للخطر!.. ورأى التقرير ان الصين لديها خطط لتغيير النظام المالي العالمي الجديد الى آخر يرتكز بكليته على الذهب، الذي سيأخذ مكان النظام الحالي المتهالك!..

هذا على المستوى المالي، أما على المستوى الاقتصادي، فإن الصين تقيم علاقات اقتصادية وتجارية وتساهم في عشرات المشاريع الاستثمارية والخدمية والمقاولات في كثير من الدول العربية في مقدمتها: السعودية ومصر والامارات، اضافة الى المساعدات التي تقدمها الى دول مثل اليمن وسوريا ولبنان والأردن، وقد ازداد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بحوالي 28 بالمئة عام 2018، وتبلغ قيمة العقود الصينية في الدول العربية حوالي 35 مليار دولار لنفس العام، وزاد التغول الصيني بحسب مراقبين في العام 2019 حين اقرضت الصين مصر مبلغ 1.2 مليار دولار لإنشاء قطار كهربائي بطول 68 كلم يصل الى العاصمة الادارية التي سيصار فيها الى بناء 18 برجا بقيمة 3 مليارات دولار، قدمت الصين منها 85% في صورة قرض يبدأ سداده بعد عشرة أعوام. كما وقعت السعودية 12 اتفاقية تجارة مع الصين بقيمة 28 مليار دولار، بلغ نصيب ارامكو منها حوالي 10 مليار دولار لإنشاء مجمع لتصفية النفط والصناعات البتروكيميائية، ووقعت الامارات في العام نفسه 16 اتفاقية مع الصين في مجالات الاقتصاد والنفط والبيئة.. ولا ننسى ان الصين استوردت ما قيمته 107 مليار دولار من النفط العربي، وتأتي ثلاث دول عربية من أصل أكبر خمس دول مصدرة للنفط الى الصين وهي العراق والسعودية وسلطنة عمان..

والصين أيضا تتوسع في استثماراتها في افريقيا بشكل كبير وهائل إذ يبلغ عدد الشركات الصينية في القارة السمراء حوالي عشرة آلاف شركة وتبلغ قيمة المنتجات الافريقية المملوكة لشركات صينية حوالي 500 مليار دولار..

أما في شرق آسيا فهناك هيمنة صينية كاملة فقد بلغت صادراتها الى هونغ كونغ 303 مليار دولار، اليابان 147 مليار دولار، كوريا الجنوبية 109 مليار دولار، فيتنام 84 مليار دولار، الهند 77 مليار دولار، سنغافورة 50 مليار دولار، تايوان 49 مليار دولار، روسيا 48 مليار دولار، ماليزيا 45 مليار دولار..

وفي اوروبا تتصدر المانيا الجهات المستقبلة للصادرات الصينية بقيمة 78 مليار دولار، ثم هولاندا بقيمة 73 مليار دولار ثم بريطانيا بقيمة 57 مليار دولار..

ثم تأتي أمريكا في مقدمة الدول المستوردة من الصين بقيمة 382 مليار دولار!..

أما المقاربة الأهم، وخصوصا لهؤلاء الذين يتحدثون عن علاقتهم التاريخية بالغرب والاخوة العرب والنظام الاقتصادي الحر وغيرها من الشعارات الممجوجة والسخيفة التي يراد من خلالها التهويل على فكرة التوجه شرقا لمحاولة انقاذ ما تبقى من هذا الجسم المتهالك للبلد، نقول لهم – وأغلبهم من المعجبين بأنموذج الكيان الغاصب، وكانوا ولا يزالون يعتبرونه الانموذج المتقدم في المنطقة على مختلف المستويات، نقول لهم فلننظر الى العلاقات التجارية الصينية الصهيونية!..

فنظرة الى العلاقات التجارية الصينية الاسرائيلية بعيون أمريكية تقول أن أمريكا انفجرت بوجه الاسرائيليين لأنهم اعتبروا ان الصين "احتلت" الاقتصاد الاسرائيلي، وخصوصا في مجال البنى التحتية والتكنولوجيا، وقد هددت أمريكا اسرائيل بالقول: إما أن تعيدوا تنظيم تجارتكم مع الصين أو ننظمها نحن، متعللين بأن الصين لا تحترم اتفاقياتها مع الدول الأخرى وأنها لا تحترم الحريات الفكرية، وأنها تتجسس على الآخرين بواسطة تقنياتها المتقدمة وغير ذلك من الأعذار التي تمارسها أمريكا واسرائيل بشكل فاضح وواضح ومكشوف على الآخرين..

جاء ذلك بعد تجديد عقد الشراكة الصينية الاسرائيلية حتى عام 2021، الذي بدأ عام 2013 حيث جرت الصفقة المثيرة التي سمحت فيها اسرائيل لشركة صينية بتشغيل ميناء حيفا، حيث يتواجد الاسطول الأمريكي والمجاور لقاعدة الغواصات النووية الاسرائيلية!.. فالميناء يفتح ابواب الصين امام البحر الابيض المتوسط الذي يتهيأ لافتتاح طريق الحرير القديم الذي يربط آسيا بأوروبا ويشرك حوالي 70 دولة في اقتصادات مشتركة أمريكا ليست واحدة منهم..

ويتجلى الحضور الصيني في اسرائيل في قيمة الاستثمارات الصينية التي تجاوزت الـ 25 مليار دولار موزعة على الشكل التالي: تأسيس صندوق سامسونغ للاستثمارات، الاتصالات والمشاركة مع مختلف الشركات الالكترونية في البحث والانتاج والاستثمار، البنى التحتية مثل بناء ميناء اسدود والقطاع النقل العام والسكك الحديدية وشبكات الطرق، اضافة الى السياحة التي بلغ فيها عام 2019 حوالي 200 الف سائح صيني لإسرائيل، وكذلك التجارة التي تميل بشكل واضح لصالح الصين حتما!..

في المشهد العالمي، والذي نحن منه، ونشكل بكل طوائفنا ومذاهبنا وفسادنا ووسخنا، حارة صغيرة متفرعة عن زاروب متفرع عن شارع عام في بكين، في احدى البنايات التي يسكنها 5 مليون صيني!..

في هذا المشهد الذي يبدو فيه، أن هناك امبراطورية تتهاوى وتتآكل ويدب فيها الضعف والعجز والخرف والعته وترامب، وامبراطورية صاعدة وواعدة ومتمكنة ومتماسكة وسخية ويدها ممدودة وأثبتت مصداقيتها في التعامل مع أصدقائها فضلا عن حلفائها.. فأين نحن!

قديما عاتبت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا حين تسرّع الملك حسين في الاردن بتأييد الاجتياح العراقي للكويت طمعا بالنفطين العراقي والكويتي، وبعد أن أعدت أمريكا قواتها مع الحلفاء لتحرير الكويت، عاتبته تاتشر بالقول: لماذا تقف في جبهة الضعفاء؟

ونحن نسأل مواطنينا اللبنانيين وأهلنا وأحباءنا وخصومنا: هل أمريكا قوية في افغانستان وهي تستعد للانسحاب، هل هي قوية في العراق امام ارادة الحشد الشعبي، هل هي قوية والسفن الايرانية تسرح وتمرح في البحر الكاريبي، هل هي قوية في الداخل أمام كورونا والفصام الاجتماعي، هل السعودية والامارات أقوياء في اليمن، هل مصر قوية في ليبيا ومقابل أثيوبيا، هل اسرائيل قوية أمام غزة ولبنان وسوريا..

إذن، لماذا تريدوننا أن نقف مع الضعفاء؟ فلنتجه شرقا.. ني هاو ni hao!

وبهذه المناسبة، أنا أنصح أهالي عكار وطرابلس قبل أن ينزلوا غدا الى وسط بيروت لمقاومة المد الصيني في لبنان، أن يأخذوا بقول رسولنا الكريم (ص): اطلب العلم ولو في الصين.. ثم اطلب الكهرباء، ثم أعد لائحة مطالبك وارفعها الى السفارتين السعودية والصينية.. وفي هذا فليتنافس المتنافسون!

ملاحظة: كنت في زيارة لأحد المنازل الفخمة في أغلى منطقة في مدينة مونتريال، بصحبة صديقي العربي الذي يريد أن يشتري منزلا بقيمة 3-4 مليون دولار، الوكيل الذي كان يعرض البيت كان رجلا مصريا محترما وكان هو صاحب البيت ويقوم بخدمة الزبائن والتعريف بمواصفات البيت – القصر، وخلال تنقلنا في البيت وبين أدواره وغرفه، كان يتحدث الى بعض الزبائن الصينيين بلغتهم (الماندرين)، فتعجبت من ذلك وسألته عن الموضوع، فقال لي إن أغلب زبائن هذه المنطقة الفخمة هم من الصينيين وهم يشترون نصف عدد البيوت التي نبيعها هنا تقريبا، وبما أن بعضهم لا يتكلم الفرنسية أو الانكليزية، لذلك تعلمت لغتهم وهكذا يرتاحون أكثر في التعامل معي أكثر من الوكلاء الآخرين!..

ليس لدينا الكثير من الوقت، فلولا نفر من كل فرقة نفر ليتفقهوا باللغة الصينية ثم ينذروا أهلهم إذا رجعوا.. بذلك نكون قد أمسكنا بأسباب القوة، لكيلا نقف مع الأعراب الفاشلين!

ومن نافل القول أن نطالب أيضا بتعلم اللغة الروسية والفارسية والسورية أيضا.. نعم السورية، يفتح الله لكم وعليكم!

  • بعض المعلومات منقولة وبتصرف!