أول الكلام خسارة كندا مقعدَ مجلس الأمن: المعنى والدلالات

  • article

لطالما حازت كندا على دور وسطي في المسرح السياسي الدولي، وحافظت على سمعة طيبة في مجال دعم مؤسسات الأمم المتحدة وجهود الاغاثة وقوات حفظ السلام، إلى أن استلم السلطة حزبُ المحافظين عام 2006 بزعامة ستيفان هاربر، الذي طبّق سياسة الانحياز المطلق لإسرائيل في المحافل الدولية، والإنقياد الأعمى إلى نصائح اليمين في واشنطن. وهذا نفسه أدى الى خسارة كندا مَقعداً غير ثابت في مجلس الامن في التصويت الذي جرى عام 2010.

 

وعندما فاز السيد ترودو في الانتخابات الفيدرالية في 2015، كان من جملة وعوده الانتخابية تفعيلُ دور كندا في الوسط الدولي ودخولها الى أروقة مجلس الأمن للتعاون مع بقية الدول المعنية لتعزيز السلام وحقوق الجنسين، وقضايا حقوق الإنسان بصورة أوسع ... إلا أن هذا الطموح باء بالفشل قبل أكثر من أسبوع، فقد صُوِّتَ على مقعدين للدول الغربية في المجلس ومقعد لإفريقيا..

 

ويعزو بعض المراقبين الكنديين خسارةَ كندا إلى عددٍ من الأسباب، منها ترشّحها المتأخر للمقعد، ما لم يعطها الوقت الكافي للقيام بحملة علاقات عالمية أو حتى الترويج الاعلامي لهذه الانتخابات. فترشحها جاء متاخراً قياساً لدولٍ منافسةٍ كالنروج وإيرلندا.

 

والأهم هو عدم الانصات الرسمي إلى صوت المعترضين من المواطنيين الكنديين من الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة، فقد نبهوا أوتاوا مراراً من الإنحيازِ في تأييد اسرائيل والوقوف الى جانبها، حتى في قضاياً فيها مخالفةُ القراراتِ الدولية وانتهاكُ حقوق الفلسطينيين. فهذا قد يرضي جماعات الضغط الاسرائيلية في كندا، ولكنه يغضب شرائح أخرى، أكدت تقارير الاستطلاع أنها تشكل نسبة ثلاثة كنديين من أصل أربعة.

 

وهم يرغبون أن يروا حكومة بلادهم تدعم حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وذلك عبرَ مواصلة دعم منظمات الاغاثة الدولية، والمحافظة على عديد قوات حفظ السلام، وبذل جهود اكبر واكثر فعالية في حل الخلافات الدولية، أبرزها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الذي يحتاج الى وسيط وسطي محايد بإمكانه كسب ثقة الطرفين في أي مفاوضات مستقبلية.

 

كانت حكومة هاربر تنحاز بشكل سافر إلى اسرائيل وتبرّر لها حربها في تموز/ يوليو عام 2006 على لبنان، وقتلها مواطنينَ كنديين دون أي اعتذارٍ او فتحِ أيِّ تحقيق. ولم تتبدل المواقف الكندية كثيراً في عهد حزب الأحرار بزعامة ترودو، فظلت أسيرة الخوف من ضغوظ "اللوبي" الصهيوني من جهة، ومجاراة جارها الجنوبي من جهة أخرى.

 

فظلت العلاقات الدبلوماسية مع كل من طهران ودمشق مقطوعة رغم الوعود الانتخابية بإعادة فتح السفارة الايرانية في اوتاوا، وبقيَ الموقف السلبي من النظام الرسمي الحاكم في فنزويلا، وغيرهُ من السياسات التي لن تشجّع العديد من الدول على إعطاء صوتها لكندا لأنها لا تريد أن ترى أميركا أخرى في مجلس الامن، إنما دولاً تملك استقلالاً سيادياً يمكّنها من انتهاج سياسات معتدلة تخدم الأمن والسلام العالميين.

 

فهل ستدفع هذه الصفعة المؤلمة على وجه ترودو وحزبه الى إعادة النظر في السياسة الخارجية، التي أوصلت الى هذا الوضع الضعيف في أهم مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة؟؟       التحرير