السلام عليكم : حق التعبير ليس حصريا لفئة دون أخرى

  • article
حسين حب الله ـ مونتريال

 تستمر المنظمات المدافعة عن اسرائيل في كندا في التضييق على حرية التعبير من خلال استهداف الأصوات التي تكشف حقيقة الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. آخر مسلسل الاستهداف طال فيصل بهابهة، الأستاذ المساعد بكلية "أوسغود" للحقوق بجامعة يورك ونائب الرئيس السابق لمحكمة حقوق الإنسان بأونتاريو، بعد تعليقات أدلى بها في خلال ندوة نظمتها جامعة رايرسون في العاشر من الشهر الجاري، وشارك فيها الى جانب بهابهة، بيرني فاربر، الرئيس التنفيذي السابق للكونغرس اليهودي الكندي، وريتشارد مارسو، نائب رئيس الشؤون الخارجية والمستشار العام لمركز إسرائيل والشؤون اليهودية، وشيريل نستل إحدى أفراد اللجنة التوجيهية في تجمع "الأصوات اليهودية المستقلة"، تحت عنوان "محاربة معاداة السامية أو إسكات منتقدي إسرائيل: ما وراء الضغط على الحكومات لدفعها لِتبنِّي تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" (IHRA) المتعلق بمعاداة السامية". 

في مداخلة له قال بهابهة: "الصهيونية كفكرة وممارسة هي قمع لحقوق الإنسان الفلسطيني لضمان الفوقية اليهودية، وهي بالضبط كما يُحتَجُّ عليه في الولايات المتحدة في وجهِ الفوقية البيضاء"...

مواقف بهابهة هذه كانت كافية لقيام جمعية "بناي برث" بالهجوم عليه، فاتهمته بالإساءة الى الجالية اليهودية في كندا، داعية الجامعة إلى حرمانه من تدريس مادة حقوق الإنسان فيها. واستنكرت المنظمة المدافعة بشكل أعمًى عن إسرائيلَ كذلك ما قاله بهابهة:  "قد يؤمن البعض أن إسرائيل بالغت في الحديث عن أحداث المحرقة". واعتبرت المنظمة أن كلام بهابهة إساءةٌ للجالية اليهودية باعتبار ان الصهيونية هي "الشكل العُرفِي للهوية الكندية اليهودية"، كما نقلت عن دراسة أُعِدَّت عامَ 2018.

هذا الهجوم لم يكن فيه الأول من نوعه، فهذه المنظمة تترصد كل من يحاول ان يوجه انتقاداً إلى اسرائيل. وهي تنشط - إلى جانب جمعيات أخرى مناصرة لإسرائيل - في مراقبة وسائل الإعلام ومنابر الجامعات والتحركات الجماهيرية حين قيامِ أي نشاط يتعلق بالقضية الفلسطينية، لإسكات أي صوت يحاول ان يسلط الضوء على ما يجري في فلسطين وما يتعرض له الفلسطينيون من إذلال وحصار وسلب أراضٍ منذ عام 1948.

ان محاولات اسكات حرية التعبير في كندا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسالة الفلسطينية، أمر مرفوض، كما محاولة حصر التحدث بِاسم الجالية اليهودية في كندا بجهة واحدة.

فإصرارُ أنصار اسرائيل على القول إن من حق اليهود اعتبار أرض فلسطين حقّاً تاريخياً لهم، (إصرارُهم) لا يعطيهم الحق في إجبار الآخرين على قبول رأيهم. بل عليهم الاستماع إلى الرأي الآخر إذا كان حق الاخرين في التعبير عن رأيهم - أسوة بأي قضية أخرى يمكن أن تُثار أمام الرأي العام - محفوظاً في هذا العصر. فكيف بقضية بحجم قضية فلسطين، التي أدت النظرية الصهيونية فيها إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم منذ عام 1948؟ ولا تزال الدولة التي قامت على أنقاض وحقوق الشعب الفلسطيني حتى اليوم تمارس أبشع أنواع الظلم بحق أصحاب الأرض الاصليين. ليس هذا فحسب، بل يريدون للعالم أن يسلم بآرائهم وأن يُسكتوا من يقف إلى جانب هذا الحق تحت ذرائع وحجج لا تستقيم أمام المنطق العام.

إن اعتبار منظمة "بنَي برث" ان كلام بهابْهَة إساءة للجالية اليهودية في كندا كلامٌ رد عليه تجمع "الأصوات اليهودية المستقلة" (IJV) الذي يقدم نفسه كالتالي: "مجموعة من اليهود في كندا. نتشارك في الالتزام بالعدالة الإجتماعية والتطبيق العالمي لحقوق الإنسان. نرى أنفسنا جزءاً من الحركة الدولية تضامناً مع النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير. نجتمع سوياً لاعتقادنا أن الرأي بين السكان اليهود في هذا البلد لا تعكسه المنظمات التي تدعي تمثيل الجاليات اليهودية الكندية". وقد أشارت رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيسة جامعة يورك روندا لينتون في 25 حزيران/ يونيو 2020، من مجموعة "الأصوت اليهودية المستقلة" في يورك إلى أن "حلقة النقاش التي تحدث فيها بهابهة تسلّط الضوء على أنْ لا مجتمعَ يهوديَّ واحداً، وأنَّ "بناي برثْ" لا تمثل بأي حال رأي كل يهودي كندي - على الرغم من أن هذا هو ما تزعمُه".

وعليه إن اعتبار العقيدة الصهيونية عقيدةَ كل يهودي ليس صحيحاً لأن الكثير من اليهود لا يتبنون هذا الرأي.

ولنا ان نسأل هنا متى كان انتقاد بلد ما استهدافاً لِدين معين؟ فاستهداف السعودية أو ايران مثلا لا يمكن ان يُعدَّ استهدافاً للدين الاسلامي، كدين. كما لا يمكن ان يُعد انتقاد امريكا او الحديث عن عنصرية البيض استهدافاً للمسيحية على الإطلاق.

بل أكثر من ذلك، لا يجوز أن تكون محاربة داعش - مثلا - محاربةً للإسلام لأن ممارسات هذه المنظمة الاجرامية منذ نشأتها تسيءُ الى الاسلام قبل أن تسيء إلى أي آخر. والمسلمون بغالبيتهم يقفون ضد ممارساتها الإرهابية. كذلك لا يجوز اعتبار أن من يهاجم اسرائيل ويعترض على ممارساتها بحق الفلسطينيين يستهدف الدين اليهودي. بل إن ما قامت وتقوم به اسرائيل منذ اغتصاب فلسطين حتى اليوم معارضٌ للتعاليم اليهودية ومسيءٌ لها، وهو ما يؤيده العديد من المنظمات اليهودية الدينية وغيرها.

بالأمس، نُظِّمت تظاهرات في العديد من المدن في العالم تستنكر قرار الحكومة الاسرائيلية ضمَّ الضفة الغربية إلى سيطرتها، وهو قرار تعارضه الكثير من دول العالم وشعوبه، منها اليهود الذين تحدثت بِاسم أحد جمعياتهم سيدتان في تظاهرة مونتريال أول من أمس الأحد.

لقد آن الأوان لكي يكف الذين يقفون في وجه حرية التعبير عن كمّ الأفواه. فقد يكون لغيرهم رأيهم المخالف، ومن المنطق ان يكون لهم الحق في التعبير عن هذا الرأي كما لغيرهم ذلك. فهذا الحق ليس حصرياً لأحد، ولا يجوز ان يكون أبداً كذلك. وعلى الحكومة الكندية أن تستمع الرأي الآخر لأن هذا الحق محفوظ في كل الشرائع والقوانين، لا في كندا وحدها، بل في كل العالم.