لم لا وهي "أُوكلَت إليها مهمة صنع الرجال"؟!

  • article

حُدِّدَ يوم الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة، وقد اعتُمِدَ عام 1913 بهدف مساعدة دول العالم على القضاء على التمييز بحق المرأة، كما مساعدة النساء على تحقيق المشاركة الفاعلة والمتساوية في جوانب الحياة المختلفة. وفي بعض البلدان الاسلامية اختيرَ يوم ولادة ابنة الرسول الاعظم محمد (ص) السيدة فاطمة (ع) كيوم للمراة المسلمة، لِما تمثله السيدة الزهراء من نموذج يمكن للمرأة، الاقتداء به، وللرجل أيضاً، فهي كانت تمثل ارقى نموذج نسوي في العفة والحشمة والتقوى، وكذلك في العلم والثقافة والتربية والسياسة. 

لكن رغم كل الجهود المبذولة منذ عشرات السنين على هذا الصعيد، لا تزال المرأة تعاني من  الاجحاف، سواء في مجتمعاتنا الاسلامية والعربية وفي جاليتنا، او في الدول الغربية التي تدَّعي رفع هذا اللواء.

في كندا بشكل عام، تعاني المرأة المسلمة والعربية معاناة كبيرة سواء ضمن جاليتها او المحيط الذي تعيش فيه.

ففي الجالية لا تزال المرأة تتحرك بشكل خجول وفردي في الكثير من الاحيان، وهي حققت تقدماً في الأعوام الاخيرة. فقد بُرِّز دور الرجل حتى في القضايا التي تخصّ المرأة لأسباب عديدة منها تراجعها عن القيام بدورها من جهة، ومحاولة الرجل او بعض الرجال الذين يتحركون في الساحة التقدم عليها لاعتقاد هؤلاء ـ ربما ـ انها غير مؤهلة لمواجهة الواقع. فيأخذ الرجل المبادرة ليعطي انطباعاً سلبياً في المجتمع بأنه يُديرها ولا قرار لها. هذا في وقت برزت فيه المرأة في أنشطة تقدمت فيها على الرجال، وإن كان عدد هؤلاء الناشطات قليلاً قياساً لحجم وعدد النساء والصبايا في كندا.

نملك اليوم طاقات نسائية كبيرة في المواقع العلمية والثقافية المختلفة، حتى السياسية، وقد برزن وحققن انجازات كبيرة تُسجَّل لهن واعترف بهن غيرنا، وبَقين في جاليتنا دون التقدير الذي يستحِقْنَه.

الأسبوع الماضي، تحديداً في الثالث من آذار، احتُفِلَ في مدينة تورنتو بخمس وعشرين امرأة كأكثر النساء تأثيراً في المجتمع الكندي، يمثلن مجموعة متنوعة من نساء "أَتَيْن من عِرقيات ومواقع اجتماعية ومهنية، ولهن مساهمات في النهوض بالمرأة، كما تركن بصماتهن في العام الماضي ووصل بعضهن إلى مستويات لافتة في حياتهن المهنية، واخترقن الحواجز ليصبحن أمثلة واضحة على قدرة النساء على ذلك". من بين تلك النساء برزت ثلاث نساء كنديات من أصول لبنانية هن: هنادي سعد، كارو لطفي، وَرولا داغر، وقد تحدثنا عن إنجازاتهن في العدد الماضي.

السيدة هنادي سعد واجهت بما تملكه من قدرات محدودة، وبتعاون ودعم عدد قليل من الناشطات والناشطين القانونَ الواحد والعشرين، الذي يستهدف المرأة، بالخصوص المسلمة ودافعت عنها بالرغم من انشغالاتها الخاصة والعائلية، فكانت تعطي لتلك الانشطة أكثر مما تعطي لبيتها، لذا استحقت - بجدارة - هذا الاختيار، الذي قالت بشأنه في حديث لنا معها انه يحملها مسؤولية مضاعفة للمضي في مسارها.    

المرأة الثانية هي كارو لطفي، التي تتولى منصب المديرة التنفيذية لـمؤسسةIs Boring”  “Apathy، وهي منظمة خيرية غير حزبية تدعم الشباب ليصبحوا صانعي التغيير في حياتهم اليومية. تعمل لطفي على المستوى الوطني لإشراك الشباب الكندي في الديمقراطية. وهي خصوصية متميزة أن تتبوأ امراة من أصول عربية هذا الموقع، فقد حققت انجازات مهمة في موقعها، منها: زيادة إيرادات المؤسسة بمقدار 12 ضعفاً، ونمَّت الفريق الذي يعمل معها من الموظفين المتفرغين إلى أكثر من 25 موظفاً، مما أدى بشكل اساسي إلى تعيين النساء الشابات في أدوار صنع القرار وفي مناصب التأثير في مجتمعاتهن.

المرأة الثالثة التي اختيرَت هي رولا داغر، التي تتولى رئاسة شركة "Cisco Systems Canada" المتخصصة بِتوزيع الأجزاء الإلكترونية ومعدات الاتصالات الإلكترونية بالجملة. وهي تحدثت في مقال نشرته صحيفة "The Globe & Mail" عن معاناتها الشخصية الكبيرة في مجال الصحة العقلية كامرأة شابة، ووجهت من خلال ذلك دعوة للعمل من أجل مزيد من الدعم للذين يعانون من تحديات الصحة العقلية، وقد وصلت قصتها إلى 3.5 مليون.

تلك النساء وما قُمْن به يؤكد على وجود طاقات كبيرة موجودة بيننا تحتاج الى الدعم والتشجيع، أولا من النساء قبل غيرهن، ثم من الرجال الذين ـ لا شك ـ يسجّلون إنجازات كبيرة في الصعد المختلفة من خلال مؤسسات كبيرة يعملون فيها. فيما المرأة تحقق إنجازاتها بشكل فردي، ولو اسُتفيدَ منها بشكل اكبر في الاطار العام لَحُقِّقَت انجازات أكبر بكثير من التي نراها.

المرأة قوة أساسية تواجه، منفردةً، الكثيرَ من التحديات، وهي تحتاج الى ان يقف الرجل إلى جانبها ويتفيأ بظلها، ليس من باب الضعف والحاجة، بل لأنها جزء اساسي، وهي نصف المجتمع ومن "اوكلَت إليها مهمة صنع الرجال". ولا يمكن للمجتمع ان يكون قوياً إلا اذا كانت هي قوية. واذ كانت ضعيفة فان الرجل لن يكون قوياً أبداً في مجتمعه.  

ما يرِد في هذه العجالة افكارٌ واقتراحات قابلة للنقاش، وليست اسقاطات يُراد فرضها على المرأة، تهدف الى تحريك الماء الراكد. وللمرأة ان تبادر بطروحاتها وما تراه ملائماً لواقعها.

في يوم المرأة تحتاج ان تعمل على مسائل متعددة، منها:

  • تعميق ثقافتها بالمجتمع الذي تعيش فيه والتحديات التي تواجهها لتعرف سبل الوقوف بوجهها. وهذا يتطلب انفتاحاً اكبر على المحيط الذي تعيش فيه.
  • ان تأخذ المرأة دوراً أكبر في مؤسسات جاليتنا بشكل عام. وهذا يتطلب من الرجل مساندة وتأييداً.
  • ان تتولى هي تنظيم شؤونها والنهوض بواقعها، بإرادتها وتحركها اولاً، وبالتعاون مع الرجل لتحقيق أفضل النتائج، وذلك من دون المسِّ بمسلَّماتنا او التخلي عن ديننا، كما يحاول البعض خوفاً وتراجعاً تحت الضغط.
  • ان تأخذ مبادرة الدفاع عن قضاياها في وجه من يريد أن يفرض عليها خياراته وفكره ليخرجها من ثقافتها، كما يريد الواقفون وراء القانون الواحد والعشرين في كيبك. فاذا أمكنها ان تكون بارزة في ساحات العلم والثقافة والسياسة والاجتماع والعمل، فلمَ لا تتولى في الجالية مواقعَ متقدمةً أسوةً بالرجال؟ هذا الخيار عليها اولا ان تقتنع هي به، وعلى الرجال ان لا يقفوا في طريقها حتى نتمكن من مواجهة الازمات التي تطالها بالخصوص وتفرض نفسها على الواقع.

ليس هناك مستحيل متى وُجِدَت الارادة، والتصميم، لدى المرأة بالتوازي مع التعاون والتفهم مع ومن الرجل، لا التنافس والتناكف معه.