اليمن في مواجهة إرهاب مجلس الامن الدولي

  • article

 

حسين الهاشمي مونتريال  

تأسست منظمة الامم المتحدة عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من أجل ضمان الامن والسلام العالميَّين، وكذلك تحقيق التقارب والتعارف والتعاون بين شعوب العالم، ومساعدتها في تحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي، ولأن الأمن والسلام بحاجة الى قوة عالمية لحفظِهِ، فإنها أنشات مجلس الامن الدولي ومنحت الدول العظمى الخمس (بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وأميركا) عضوية دائمة فيه، بصلاحيات واسعة جدًا لإقرار إيقاف أيِّ حرب وكلِّ ما يهدد السلام العالمي، وفي الوقت نفسه منحت كلاً من الدول الخمس العظمى حقَّ نقض أي قرار لا توافق عليه منعاً لحدوث الاحتكاك بينها، كما سمحت للقارات الخمس بترشيح ممثلين عنها ليمثلوا قاراتهم فترةً زمنيةً محدودةً، ولهم حق التصويت على القرارات من دون حق النقض الممنوح للدول الخمس العظمى.

إذاً من المفترض أن يكون مجلس الامن الدولي عاملاً لإقرار السلم وإيقاف الحروب، ومانعاً لاستمرارها لأنه بالأساس يجب أن يكون محايدا في فض النزاعات وليس منحازاً الى طرف، ولكن نتيجة لغلبة المصالح الاقتصادية والسياسية على القيم و المبادئ والاسسس التي قامت عليها الاممُ المتحدةُ تحول مجلس الامن الى ساحة صراع وتجاذب مصالح بين الدول العظمى، ما أفقده الدور الذي أُسِّس من أجله، وبالتالي فقدَ مصداقيته في عالم هو بالاساس فقد مصداقيته بعد ان أصبح المالُ، والمصالحُ، الأساسَ، على حساب القيم والأخلاق والانسانية والسلام والأمن.

وخير مثال على تخلي مجلس الامن عن مهامه ومسؤولياته في حفظ السلام والامن العالميَّين هو موقفه من الحرب الوحشية التي تشنها دول متعددة على جمهورية اليمن، فقد أصبح هذا المجلس بأعضائه طرفاً في الحرب، مشاركاً في قتلِ مئات الآلاف من الشعب اليمني وتدميرِ بنيته التحتية لسبب واحد فقط: الا وهو ان هذه الدولة الصغيرة ذات الموقع الجغرافي المهم، الفقيرة اقتصادياً، ترفض ان تكون تابعة لأي دولة عظمى من أعضاء مجلس الامن، وترغب في العيش مستقلة بقرارها وسياساتها. لذلك أخذ هذا المجلس على عاتقه عقابها وارهابها بشتى الوسائل، ومنها حرمانها من شراء السلاح للدفاع عن نفسها في مواجهة الحرب التي تتعرض لها حتى ترضخ وتصبح تابعة لهذه الدولة العظمى او تلك.

فالشعب اليمني يتعرض منذ اكثر من خمس سنوات لحرب وحشية قاسية همجية تشنها عليه المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، وتشاركهما في العدوان الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة وفرنسا(دول دائمة العضوية في مجلس الامن) من خلال تزويد الجيشين السعودي والاماراتي بأحدث الاسلحة الفتاكة - حتى المحرمة دولياً - وتزويدهما بمعلومات الاقمار الصناعية، ناهيكَ عن المشاركة أحياناً، كما يحدث في الحصار البحري.

بالرغم من قصفِ الجيش السعودي والإماراتي المستشفيات والمدارس المراكز الطبية، والأحياء السكنية ودور العبادة ومراكز حضانة الأطفال، وقتله أكثر من 50 الف طفل منذ بداية الحرب، أي منذ خمس سنوات، واستمرارِ الحصار البحري والجوي وإغلاق المطا،ر ومنع وصول الاغذية والادوية والمستلزمات الطبية، حتى منع طائرات الأمم المتحدة من نقل الجرحى والمصابين بالامراض المستعصية والمزمنة، الذين لا يجدون علاجا في اليمن بسبب الحصار العالمي، بالرغم من ذلك كله، فإن مجلس الامن الدولي عوضاً عن اجبار السعودية والامارات على إيقاف الحرب وفك الحصار، اتخذ القرار 2511 في نهاية الشهر الثاني من هذه السنة (بموافقة ثلاث عشرة دولة وامتناع روسيا والصين عن التصويت) بتمديد حظر ومنع تصدير السلاح إلى اليمن، وفرض العقوبات على الدول المخالفة للقرار للسنة الخامسة على التوالي، وقد اتخذ القرار أولَ مرة عام 2015، أي عام بدْءِ العدوان السعودي الاماراتي على اليمن.

إن مجلس الامن الدولي، الذي كان من المفترض ان يعمل على إنهاء الحرب ويطلب من حكومتَي السعودية والامارات إيقافها، او يفرض عليهما عقوبات اقتصادية ويمنع سواهما من بيعهما السلاح، فانه لم يعمل على اطالة امد الحرب فحسب، بل سمح لأعضائِه بتزويد الجيشين السعودي والاماراتي بأحدث انواع الاسلحة لايقاع أكبر الخسائر بالشعب اليمني وبُناه التحتية، وبالمقابل فرض حصاراً على اليمن، واتخذ قرارات بمنع بيع الاسلحة لليمن لئلا تُدافِعَ عن نفسها امام الحرب الوحشية التي يشنها نظامان متسلطان عُرف عنهما دعم الارهاب العالمي، وبذلك استحق مجلس الامن أن يُسمى مجلسَ الارهاب الدولي، لا مجلسَ الأمن الدولي.

واذا كانت روسيا والصين قد امتنعتا عن التصويت لصالح القرار 2511، فإن من الغريب ان تتبنى الدول العظمى الاخرى، التي تدعي انها تدعم حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، كالولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة وفرنسا، هذه الحربَ، وأن تدعمَ حكومتَي السعودية والامارات الجائرَتين، اللتان لا تعرفان معنًى لحقوق الانسان، ولا تسمحان بالحرية ولا بالانتخابات، بل ما زالت تقطع رؤوس النساء والرجال في الساحات العامة وتجلدهم لمجرد انهم يطالبون بحقوقهم التي كفلتها السماء والقوانين الوضعية.

لقد كان من الأَولى لِمجلس الامن الدولي أن يمنع تصدير السلاح للسعودية والامارات بدلاً من أن يفرضه على اليمن، ولكن عندما يتخلى العالم عن القيم والاخلاق والانسانية مقابل المال، يصبح لزاماً تغيير أسماء هذه المؤسسات الكاذبة الخادعة، وأن يواجَهوا بحقيقتهم التي يحاولون ان يخفوها تحت مسميات متعددة. إنه لمن العار ان يتحول مجلس الامن بعد اكثر من 75 عاما من تأسيسه من منظمة ترعى السِّلم إلى منظمة تثير الحروب وتدافع عن المعتدين، وذلك بسبب المصالح المادية والسياسية. ذلك في وقت تتبجح فيه المنظمة الأم (الامم المتحدة) بأن لها مجالس لحماية حقوق الاطفال وحقوق الانسان، ولكنها عاجزة عن حماية أطفال اليمن، الذين تتقطع اشلائهم بصواريخ اميركية وقنابل بريطانية وفرنسية، وبأيدٍ سعودية واماراتية.

خمس سنوات والشعب اليمني يواجه حرباً عالمية ولا يُسمح له بالدفاع عن نفسه، فأي عالم منافق وخادع هذا الذي نعيشه؟ وأي منظمات ومجالس عالمية تدعي حماية حقوق الانسان وهي تساعد في انتهاك حقوق الانسان، بل قتله؟ فتحية الى شعب اليمن الذي تحمل كل هذا الجَور والعدوان والشراسة والحقد العالمي، ووقف صامداً في مواجهة ارهاب مجلس الامن الدولي.

(همسة الى حكومتنا الكندية: ان القرار الاخير برفع الحظر عن بيع الاسلحة للسعودية يعني ان الدولار الكندي سيصل إلى خزائن الحكومة وهو ملطخ بدماء أطفال ونساء ورجال اليمن، فالمدرعات الكندية التي بيعت إلى السعودية سابقاً لم توزع الورود على الشعب البحراني عندما دخل الجيش السعودي الى البحرين لقمع الشعبِ المطالب بالحرية والديمقراطية سلمياً، وكذلك عندما دكت هذه المدرعات رياض الاطفال و المستشفيات في اليمن. فهل شرعة حقوق الانسان الكندية تسمح بقتل الانسان من أجل الدولار؟)