حلول بسيطة لقضية معقدة!

  • article

طلال طه - مونتريال 

 

لم يعد احد يؤمن بهذا الوطن: أرضا وشعبا ومؤسسات.. وطبقة سياسية، سواء منها التي تحكم او التي في المعارضة، او التي تتذاكى فتصلي مع الحكم نهارا، وتسكر مع المعارضة ليلا!..

أو هؤلاء الذين تنتفخ أوداجهم في الصراخ مع المعارضة الوطنية الشريفة من اجل القضايا والملفات الاجتماعية والمعيشية العادلة، ثم يسهرون في اقبية السفارات ليدار ملف الفتنة وتحاك المؤامرات السياسية والمذهبية القاتلة!..

لا شك ان الاختلاف ذي الطبيعة الفكرية والسياسية والاقتصادية والقانونية والحياتية هو قدر الاجتماع الانساني، وقدر المجتمعات التي تلاقت يوما على عقد اجتماعي يحفظ أمورها ويدير شؤونها الحياتية والمعيشية المختلفة، والأهم في ذلك أنه ينظم الاختلاف ويضع القوانين الناظمة لضمان سلمية وقانونية استمرار العملية السياسية والحياتية!..

وأهم ما في القوانين الناظمة هو حفظ الحقوق الفكرية والاعتقادية وضمان الحريات والسهر على تطبيق العدالة وحفظ القانون لكافة المواطنين من خلال المساواة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات، وخصوصا في ما يخص الاقليات التي يعمل العقد الاجتماعي على ضمان حقوقها وتفهم مخاوفها وتأمين الاجواء الآمنة لحسن انخراطها في النسيج الوطني العام!

اما العناوين الرئيسية التي يمكن أن نختصر بها وفيها وحولها ومعها المشكلة، القضية، الأزمة، الاستعصاء في لبنان، فهي على الشكل التالي: الجغرافيا، الموارد الطبيعية، الدستور والعقد الاجتماعي والنظام السياسي، التاريخ، الشعب بكل أطيافه السياسية و جماهير الناس..

هؤلاء الموجودون على هذه الارض (10452 كلم مربع)، مع الموارد التي نعرفها (حشيشة وبطاطا في البقاع، تفاح وزجل في الجبل، اسمنت وحلاوة الجبن في الشمال، حمضيات وشهداء في الجنوب، فنادق وعاهرات في بيروت، مياه انهار ودموع في البحر، وبحر لا يريد ان يفرج عن البترول على عمق 3000 متر)، اضافة الى دستور غامض تم تجديده وتعديله عدة مرات (وقد تكلف كل عملية تجديد حرب أهلية وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين والمفقودين، عدا الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة – خسائر موازية كهجرة الأدمغة والاموال)، وفوق ذلك كله – وعلى هذه الارض ذاتها – مجموعة من السياسيين الخالدين والطارئين والعابرين، المحترفين منهم والهواة، وبعض المتمولين الذين – في وقت الفراغ - يتعاطون السياسة والغولف والبريدج.. والنساء فيما تبقى لهم من وقت!

إن اوضح ما في القضية المعقدة في لبنان هو فساد الطبقة السياسية وجشعها وتوحشها وانسياقها وراء غرائزها النافرة والمريضة، واستهتارها بالناس والوطن والقيم، وهي من اجل مصالحها الضيقة مستعدة - وهذا يحصل كل يوم وبشكل قبيح مثل قيء فوق مائدة الطعام – لإسقاط هيكل الوطن على رؤوس الجميع، أو من تبقى منهم في البلد!

ان اسوأ ما يمكن ان يواجه به شعب ساء حظه الى هذا المستوى، مأساة تصل حد اللعنة، هو أن كلا من هؤلاء السياسيين جاء – خطأ – من بين مليون حيوان منوي كلهم راحوا وضلوا طريقهم في المراحيض، هو وحده الذي تعلق بالمبيض وبالتالي تعلقت حياة الملايين من الناس على مدى عقود بحظها العاثر به.

ليس اعتراضا على ارادة الله، حاشا وكلا، لكنه شكل من اشكال البوح الذي يجعل الوطن مسرحا لكل التفاهات التي حصلت مع عائلات محترمة تناسلت في الليل، وربما في حالة سكر، لتلد هذه الكائنات التي تمكنت في اقل من نصف قرن ان تعود بمجتمع كامل (بكل متعلميه ومثقفيه وشهاداته الاكاديمية، ولغاته الاربع التي يتقنها، وامواله وتجارته وعلاقاته وحذاقته الفينيقية، وابداعاته المتنوعة وفصوله الاربعة) الى ما قبل العصر الجاهلي وحروب القبائل والأفخاذ والعشائر وداحس والغبراء!

نعم نحن في الجغرافيا غير محظوظين "بجارتنا" في الجنوب، وذلك منذ اربعينيات القرن الماضي، وثبت حديثا أن مواردنا تقع تحت عمق 3000 متر، ولا حيلة لاستخراجها مع وجود السلاح. كذلك فإن عقدنا السياسي الاجتماعي الطائفي المذهبي هو قنبلة موقوتة، تنفجر دفعة واحدة، او على دفعات غب الطلب.. لكن ابدع ما في هذه التوليفة هي الطبقة السياسية، مع ما فيها من كوميديا ودعابة وروح نكتة ولثغة فرنسية – انكليزية ولاحقا خليجية، ملحقة بأدوار نشطة في الدراما المحلية!..

الطبقة السياسية معطوفة على صيغة على شكل قنبلة بدون صمام أمان في وطن تعبث "جارتنا" الى الجنوب في شؤونه العائلية.. هل هذه معادلة وطن؟

على ماذا الرهان إذن؟ ما هو الحل؟ وكيف يمكن أن يكون هناك حل بسيط لقضية معقدة؟

نبدأ من الصفر، نثبت ما هو ثابت، ونعمل على ما هو متحول ومتغير: الارض ثابتة، والدستور والسياسيين قابلين للتغير والتبدل والتحول، مع الايمان المطلق انه لا يمكن اطلاق يد السياسيين الحاليين للعبث في المتحول الآخر وهو الدستور، فهم في هذا على طبقات، بعض لا يريد، بعضهم لا يقبل، بعضهم لا يقدر، بعضهم يزعم انه يريد ويراوغ، بعضهم يريد ولا يقدر، بعضهم لا يريد ولا يقبل، وبعضهم يقدر ولا يحاول، وبعضهم يقدر ولا يريد ولا يحاول.. يبقى أنا وأنت!

والناس كما السياسيين على طبقات في ذلك، فمنهم المخلص، ومنهم المنافق، ومنهم الشاطر، ومنهم الغبي والأحمق.. ومنهم ما فيه بعض من كل هذا!

المخلصون وحدهم مع الذين يريدون قادرون على قلب الطاولة، والتصدي لهذه المهمة الجلل، ولا يبدو ان المخاوف التي كانت الهاجس الدائم لهؤلاء سوف تنتهي (الفتنة المذهبية في مقدمتها) وعليه فقد يبدو أن ألم الجراحة، قبل وبعد المؤتمر التأسيسي، أقل بكثير من الكلف التي دفعها الوطن والمواطن من كرامته وعزته وماله ومدخراته وحقه في العيش الكريم.. ويدفعها اليوم، وغدا بشكل تصاعدي نحو الأسوأ!

ومع الذل والمهانة والفقر والعوز سيفقد ويخسر هذا المواطن ما ادخره من عز وفخر وكرامة وسيادة مع ما ادخره من اموال قليلة أو كثيرة في البنوك ولدى الصرافين وجنون الدولار!..

هناك متسع من الوقت لقلب الطاولة قبل نهاية هذا العام، حيث هذا المجنون والمعتوه مشغول في حروبه الداخلية، مع كورونا ومع البطالة ومع العنصرية ومع مواطني سياتل الارهابيين الخارجين على القانون ومع تدني مستوى أداءه في الاحصائيات الاخيرة امام المرشح الديموقراطي.. كل ذلك جعل من رحلة السفن الايرانية الخمسة الى فنزويلا، وكسر الحصار نزهة بحرية مريحة، ونصرا حاسما في الحديقة الخلفية للبيت الابيض، مثل نصب الصواريخ في خليج الخنازير في كوبا في الخمسينات!..

نزهة البحر الكاريبي للسفن الايرانية هي قراءة استراتيجية عميقة في السياسة الامريكية في مرحلة ما بعد كورونا وسحب الجيوش الى الوطن حيث قد تكون الحاجة اليها في نيويورك اكثر ضرورة وفائدة من وجودها المكلف والعبثي في افغانستان وسوريا والعراق!

نحن لا نطالب ان تعبر السفن من بنت جبيل في الجنوب الى طرابلس في الشمال مرورا ببيروت والجبل، نحن نطالب بأن تعبر الارادة الوطنية الحقة في الاصلاح والتغيير وبناء وطن المؤسسات والعدالة الاجتماعية والرفاه المعيشي والصحي والتعليمي معطوفا على العزة والكرامة والسيادة، أن تعبر في الاتجاهين!..

العبور من الطيونة الى الطريق الجديدة بالورود، والعبور من الشياح الى عين الرمانة بالزهور، ثم العبور معا الى سوريا لفك الحصار عن الجميع.. أمريكا مشغولة بحالها، وهي أعجز من عام 1983، والإرادة الوطنية أقوى بكثير في 2020 متوجة بانتصارات المحور..

وهذا يقودنا مباشرة الى العلاقة المأزومة والمزغولة والمعقدة بين الحاكم والمحكوم، لا هي تقارب التبسيط الموجود في المجتمعات الغربية وفي الديموقراطيات الناشطة، ولا هي علاقة تبعية كاملة كما في البلدان الاوتوقراطية وجمهوريات الـ 99%، لكنها أمر بين أمرين، ولذلك فإن المسألة تطال الواعين والمثقفين والمخلصين الذين يتعاطون الشأن العام في تقديم مقاربة وخطاب يصل الى الطبقتين في نفس الوقت، الى السياسيين والى الناس، الى السياسيين للضغط على المخلصين منهم لقلب الطاولة، وللناس بإقناعهم أن بعض منافعهم الآنية يمكن التعويض عنها بمنافع عامة يستفيد منها أبناءهم وأحفادهم في العيش الكريم في وطن العزة والكرامة والسيادة والأمن والرفاه..

معادلة صعبة، لكنها ممكنة، فهي جزء من حلول بسيطة لمسألة وقضية معقدة.. لبنان!

ملاحظة: قد يرى بعض المواطنين ان هذه المقالة لا تطال زعيمهم الذي ضحى وناضل وجاهد وقاوم وبذل كل ما لديه من اجل الوطن والمواطن.. فله ذلك، يمكنه ان يستثني زعيمه، والآخرون سيتثنون زعماءهم أيضا، فهم كذلك ضحوا وناضلوا وبذلوا ما في وسعهم من اجل عزة الوطن والمواطن، وعليه، سيخرج كل الزعماء من دائرة الظن والاتهام والمسؤولية والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة والمحاكمة.. هذا يقودنا الى الاستنتاج المنطقي الوحيد، وهو أنه أنا وأنت و"الرحابنة" مسؤولون عن كل هذا الخراب!..